إن الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب،وهي تستحضر في البداية البرنامج الحكومي الذي وافق عليه مجلس النواب بتاريخ 13 أكتوبر 2021، وكذلك الثقة في الحكومة على أساس توجهها العام في اتجاه الدولة الاجتماعية؛
تعتبر أن مشروع قانون المالية 2023 لا يرقى إلى تطلعات النساء ومختلف الفئات الاجتماعية، وخاصة منها تلك التي عانت الأمرين من تداعيات جائحة كوفيد-19، وما ترتب عن ذلك من ركود اقتصادي انعكس سلبا على الأوضاع الاجتماعية للطبقات الاجتماعية الأكثر فقرا حيث ارتفعت الفوارق الاجتماعية من 38,5 في المائة إلى 40,3 في المائة على الصعيد الوطني حسب المندوبية السامية للتخطيط. ومما زاد في تأزيم الوضع، أنه لم تكد الدورة الاقتصادية تعود لحالتها الطبيعية تدريجيا، حتى اندلعت أحداث دولية كان لها عظيم الأثر على القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، وأضاف الوضع المناخي وقلة التساقطات المطرية أزمات أخرى…
وأمام تردي الأوضاع الاقتصادية، ترقبت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب أن تعمل الحكومة على وضع حلول استعجالية كفيلة بتحسين الأوضاع الاجتماعية للنساء والفتيات و للفقراء، من خلال وضع إستراتيجية شمولية دامجة، وبرامج قطاعية طموحة ، وإعداد ميزانيات سنوية قادرة على الاستجابة لمختلف التطلعات.
لقد سجلت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، منذ اطلاعها على منشور رئيس الحكومة المؤرخ في 03 غشت 2022 تحت عدد 2022/16 بمثابة مذكرة توجيهية بخصوص إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2023، والموجه لكل القطاعات الحكومية، أنه لم يتضمن من التوجيهات ما يُمكن أن يُساهم في حل الإشكالات الكبرى التي تعيشها البلاد خاصة التي تعاني منها النساء والتي برزت في جميع التقارير الرسمية وتقارير الجمعيات النسائية، وتحديات تطبيق النموذج التنموي الجديد، ومستلزمات إطلاق الإصلاحات الهيكلية الكبرى التي تهم التربية والتكوين، والصحة، والشغل، وترسيخ ورش تعميم الحماية الاجتماعية لمختلف الفئات المتضررة.
إن المذكرة التوجيهية، وهي تتحدث عن “استكمال الأوارش الإصلاحية والتنموية، ومواصلة تنزيل المشارع المهيكلة والالتزامات التي انخرطت فيها الحكومة في إطار تنزيل برنامجها”، لم تتضمن أية أهداف وتدابير أو توجيهات ملموسة متعلقة بالنهوض بالحقوق الإنسانية للنساء، بل تم الاكتفاء بمبادئ عامة لا يمكن قياسها للوقوف على مدى تطبيقها على أرض الواقع.
ورغم أن الخطاب الملكي لعيد العرش الأخير، تضمن من الإشارات ما يجعل النساء في صلب التنمية، سواء عند الإشارة إلى عدم إمكانية بناء مغرب التقدم والكرامة إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء في عملية التنمية؛ أو الإشارة إلى ضرورة المشاركة الكاملة للنساء المغربيات في كل المجالات؛ أو النهوض بوضعيتهن وفسح أفاق الارتقاء أمامهن، وإعطائهن المكانة التي تستحقنها؛ أو اعتبار تقدم المغرب رهين بمكانة المرأة، وبمشاركتها الفاعلة، في مختلف مجالات التنمية، فإن المذكرة التوجيهية لم تتضمن إلا إشارات عامة لم تتعامل مع النساء إلا في فقرتين محدودتين من حيث مضمونهما.
لقد تم وضع قضية النساء، من حيث الترتيب، بعد الإصلاحات القطاعية (الصحة، التربية والتكوين…)، وبعد كل من الأشخاص في وضعية إعاقة والشباب؛وتم الحديث عن النساء تنفيذا للتوجيهات الملكية بخصوص تفعيل المؤسسات الدستورية المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، ومعالجة الاختلالات والسلبيات التي تشوب التطبيق الصحيح والكامل لمقتضيات مدونة الأسرة، وتعميم محاكم الأسرة، دون أدنى توجيه حكومي ومؤشرات وأهداف واضحة تنصف النساء وتعتبر أن تحقيق التنمية المستدامة رهين بتفعيل المساواة الفعلية.
وبهذا الخصوص، تشدد الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، على أن أية إصلاحات لا تراعي مكانة النساء سيكون مصيرها الفشل حتما، إذ لا تنمية ولا ديمقراطية بدون مشاركة حقيقية للنساء في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية.
وقد تجسد هذا التوجه على مستوى مشروع الميزانية نفسه، حيث أن استقراء ميزانية النوع لسنة 2023، يُؤكد أنها لم تتضمن ما يُمكن أن يكون مكسبا حقيقيا.
لقد بينت الوثائق المرافقة لمشروع القانون المالي لسنة 2023، أن النساء المغربيات لا زلن لم يحصلن على أية مكتسبات بخصوص المناصب القيادية. ففي مجال التعيين في المناصب العليا، فإنه منذ صدور دستور 2011 إلى حدود النصف الأول من سنة 2022، صادق مجلس الحكومة على 1403 تعيينا منها 13% فقط للنساء، مع نسبة تختلف حسب نوعية المناصب، حيث أنها بلغت في أقصى نسبة لها 10,76% في منصب مدير أو ما يعادله، لتنخفض لغاية 0,43% بالنسبة لمنصب عميد، و 0,36% بالنسبة لمنصب مفتش عام، لتصل نسبة 0,14% بالنسبة لمنصب رئيس جامعة.
وإضافة لذلك، فإن مختلف البرامج الحكومية التي تهم تشجيع المقاولات، سواء منها “أوراش”، أو “انطلاقة”، أو “فرصة” لم تتضمن أية تدابير تحفيزية لصالح النساء وللقضاء على ضعف ولوج النساء والفتيات لسوق الشغل.
هذا، وقد وقفت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، مطولا،على الإصلاحات الهيكلية الكبرى التي اعتمدها الحكومة، وخاصة منها ما يهم الأسس التي ينبغي أن تقوم عليها الدولة الاجتماعية، إلا أنها لاحظت أن التوجه الحكومي يستعل ألفاظا تزيد الأوضاع غموضا. وهكذا سجلت الجمعية أن الحكومة “ستعمل على مواصلة تأهيل القطاع الصحي”، و”ستعمل على تنزيل خارطة الطريق لإصلاح المنظومة التعليمية”، و”ستعمل على مواصلة تنزيل إجراءات البرنامج الحكومي في مجال الإعاقة”، و”ستواصل الحكومة تشجيع مبادرات الشباب حاملي المشاريع في المجال الفلاحي” …
إن الحديث عن مواصلة برامج لم نلمس لها أي أثر إيجابي على أرض الواقع خلال سنة 2022، ليس إلا دليل على أهمية إعادة النظر وتصحيح هذه البرامج وملاءمتها مع الأوضاع الجديدة لتستطيع الاستجابة للحاجيات الآنية والمصالح الإستراتيجية للنساء والفتيات وللفئات الاجتماعية الأكثر فقرا، والاجتهاد للبحث عن بدائل حقيقية قادرة على رفع تحديات التنمية الدامجة لبلادنا.
إن النوايا الحسنة التي تبديها الحكومة في كل خطاباتها، ومن خلال مشروع القانون المالي لسنة 2023، ليست هي الأساس القادر على حل المعضلات التي تعيشها بلادنا مهما كانت الحلول التقنية المتبعة، بل إن الإستراتيجيات والبرامج القابلة للتنفيذ هي التي ستُمكننا من التنمية والتقدم. ولذا، فإننا، في الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، نعتبر أن المداخل السياسية الواضحة لدولة اجتماعية حقيقة هي الكفيلة بوضع بلادنا على السكة الصحيحة.
إن الاشتغال على تفعيل المساواة بين الجنسين، والحقوق والحريات الأساسية، والديمقراطية التشاركية، يتطلب مشاركة كل من المؤسسات المنتخبة، والنقابات، والمجتمع المدني في وضع سياسات عمومية وتنموية تستحضر مختلف مؤشرات النوع الاجتماعي التي تضع بلدنا في الرتب الأخيرة على المستوى الدولي . إلا أن مشروع المالية لسنة 2023 لا يتضمن ما يُفيد اعتماد هذا المدخل السياسي، ولا أدل على ذلك من الأرقام المقدمة التي تدل على “تضارب” لا يمكن استيعابه. ففي الوقت الذي تم تحديد نسبة النمو الاقتصادي في نسبة 7,9% سنة 2021وفي ظل أوج تداعيات كورونا، نلاحظ أنه يتم الترويج لتراجع القيمة المضافة الفلاحية لهذه السنة بنسبة 1,5% بفعل الجفاف، وبالتالي تحديد نمو الناتج الداخلي غير الفلاحي في نسبة 3,4% مقابل 6,8% سنة 2021.إن هذه المعطيات تُبين أن نسبة النمو الحقيقة ستكون منخفضة بشكل يؤثر على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية،مما سيزيد الفقر وسط النساء في الحواضر والقرى.
وفي الأخير، تُوجه الجمعية نداءها لكل القوى الحية في البلاد من أحزاب سياسية، وفرق ومجموعات نيابية، ومنظمات نقابية، وجمعيات ومنظمات غير حكومية، ومختلف وسائل الإعلام والتواصل الجادة، أن توحد جهودها للدفاع عن كل قضايا النساء من خلال:
- الدفاع عن كل المكتسبات الإيجابية والمتقدمة التي جاء بها دستور 2011، وعلى رأسها كل مبادئ “المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن”، وحق الجميع في التمتع “بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم”، ومبدأي المساواة والمناصفة؛
- الدفاع عن توسيع هامش ممارسة الحريات والحقوق الأساسية الواردة بالباب الأول من الدستور، وفي مختلف فصوله، واعتبار حقوق الإنسان للنساء في شموليتها عامل أساسي في التنمية السياسية لبلادنا؛
- الحرص على جعل الحقوق الإنسانية للنساء، رافعة جوهرية للتقدم والتنمية المستدامة، وذلك بتمكين النساء من حقوقهن على كل المستويات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، من خلال إصلاحات تشريعية على مستوى كل النصوص التمييزية، وعلى رأسها كل من القانون الجنائي ومدونة الأسرة، مع اعتماد سياسات عمومية تُراعي هذا التوجه؛
- الحرص على التقائية ونجاعة مختلف السياسات العمومية والترابية المتعلقة بالقضاء على العنف و التمييز الذي يطال النساء مع وضع الميزانية المناسبة لتنفيذها؛
- تحليل وتقييم المنظومة الضريبية من أجل توجيه الحكومة نحو عدالة جبائية مستجيبة لمساواة النوع الاجتماعي، قائمة على تضريب البذخ والثروة الطائلة عوض فرض ضريبة الاقتطاع من المنبع التي تؤثر على ذوي الدخل المحدود؛
- توجيه الحكومة من أجل اعتماد مؤشرات النوع الاجتماعي في النظام المندمج لتدبير وتقييم الاستثمارات العمومية و الرفع من جودة اختيار المشاريع الاستثمارية الموجهة للقضاء على الفقر ولتقليص البطالة وسط النساء و ربات الأسر.
- الحرص على تفعيل آليات التشاور متعددة الأطراف ما بين الحكومة و البرلمان والمجتمع المدني و بنك المغرب لتحقيق الانسجام ما بين السياسة النقدية و السياسية الميزانياتية و التوجهات الاجتماعية المستجيبة للنوع الاجتماعي.
- تمكين النساء اقتصاديا واجتماعيا من خلال سياسات دامجة تبدأ بضمان الولوج إلى شغل قار و مراجعة الأجور و تسيير سبل الوصول إلى الموارد و الفرص الاقتصادية عن طريق سد الفجوة الرقمية و الفجوة العلمية والعملية وتسهيل العمل الإنجابي،
- تعميم التغطية الاجتماعية لجميع النساء في المدن و البوادي و خاصة النساء الفقيرات واللواتي يعانين الهشاشة القصوى ( ربات الأسر – مساعدات الأسرة – النساء المتواجدات في وضعية إعاقة – النساء المعنفات..) واللاتي لحد الآن لا تشملنهن نظم الحماية الاجتماعية،
- توسيع دائرة الحوار والتشاور في إطار الديمقراطية التشاركية، وتفعيل كل الآليات الدستورية وطنيا وترابيا قصد النهوض بأوضاع النساء من خلال عملية تنموية شمولية، اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية.