أبانت المعطيات الإحصائية المتعلقة بالدراسة الميدانية المنجزة من لدن النيابة العامة بخصوص “زواج القاصر” في المغرب أن ظاهرة الزواج المبكر ليست شأنا قضائيا صرفا، تنحصر أسبابه في التدبير العملي لمقتضيات المادتين 20 و21 من مدونة الأسرة، بل شأن مجتمعي تتعدد أسبابه التي تتوزع بين ما هو اجتماعي واقتصادي وثقافي وديني.
وأرجعت الدراسة، التي اطلعت عليها هسبريس، دوافع تفاقم الزواج المبكر في صفوف القاصرات إلى سن الزواج، الذي يتراوح بين ست عشرة سنة ونصف وسبع عشرة سنة ونصف؛ وهو ما أرجعته إلى المجهودات المبذولة من طرف الفاعلين الأساسيين، ومن بينهم رئاسة النيابة العامة، من خلال حرصها على التكوين المستمرّ لقضاة النيابة العامة في هذا المجال.
العامل الثاني وراء ارتفاع أرقام زواج القاصر بالمغرب يتمثل في المحيط الاجتماعي، على اعتبار أن أغلب القاصرات المتزوجات ينشأن في أوضاع اجتماعية صعبة، قد تتسم أحيانا بالقساوة، حيث لفتت المعطيات القضائية إلى أن أغلب أولئك القاصرات ينحدرن من أسر أحادية القطب، ينعدم فيها الحوار والتشارك في تسيير الأسرة.
أما العامل الثالث الذي يمكن الارتكان إليه لتفسير الظاهرة المقلقة، وفق الوثيقة، هو البعد الاقتصادي الذي لخصته الدراسة بالتأكيد على أن “أغلب القاصرات وذويهن هم في الغالب من الطبقة الهشة والفقيرة، التي يمارس أفرادها -هي وباقي أفراد أسرتها- مهنا بسيطة، وإن كانت تقي من الحاجة، فإنها لا تسمح في العادة بالادخار”.
ولفتت الدراسة كذلك الانتباه إلى أهمية العامل الثقافي في تشريح الظاهرة، حيث استنتجت أن الأوساط التي تنتشر فيها الأمية والجهل هي الأكثر إنتاجا لهذا النوع من الزواج، وإعادة إنتاجه، بالإضافة إلى أن الهدر المدرسي هو الرافد الأساس لزواج القاصرات بالمغرب.
وبناء على مخرجات الدراسة، فإن القاصرات المتزوجات يعانين من أصناف مختلفة من العنف، ضاربة المثال بأن 13.30 في المائة من القاصرات المتزوجات كنّ ضحية عنف معنوي مسّ أحد حقوقهن، أو حقوق أولادهن الناتجة عن الزواج، كالحق في الاستقرار الأسري، واستمرار العلاقة الزوجية في وئام.
وانطلاقا من تلك المخرجات، دعت الوثيقة إلى وضع خطط وبرامج لمواجهة القبول الثقافي والاجتماعي الواسع النطاق لممارسة تزويج القاصرين؛ عبر إذكاء الوعي الجماعي بالأضرار المترتبة عن هذا الزواج، وآثاره النفسية والصحية على القاصر، وتكلفته الاجتماعية.
كما أوصت النيابة العامة باعتماد إستراتيجية متكاملة وواضحة المعالم، ومبنية على أهداف محددة في الزمن تهدف إلى محاربة الزواج دون سن الثامنة عشرة، انسجاما مع غاية المشرع الذي حدد سن الزواج في 18 سنة ومع رؤية هيئة الأمم المتحدة التي جعلت من مكافحة زواج القاصر أحد الأهداف الأساسية للتنمية المستدامة في أفق سنة 2030.