صادق مجلس النواب بالأغلبية يوم الثلاثاء 20 ماي 2025 على مشروع القانون رقم 23-03 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية، وجاءت هذه المصادقة بعد تعبير السيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي عن رفضه المتسلسل لجميع مقترحات التعديلات، وكان الرفض أيضا مصير 1380 مقترح تعديل قدمت للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات، باستثناء 200 تعديل بسيط، وصادقت اللجنة على المشروع بالأغلبية بتاريخ 11 ماي 2025، ليسدل جزء مهم من الستار على أهم قانون إجرائي في المادة الجنائية بسرعة قياسية لا مبرر لها.
وإذ يعبر “تحالف ربيع الكرامة” عن تذمره الشديد لانفراد وزارة العدل بمراجعة شاملة للقانون المفروض أنه الضامن لشروط المحاكمة العادلة للنساء والرجال، ضحايا ومشتبه فيهن وفيهم، والإقصاء الممنهج لمكونات المجتمع المدني بخلفية سياسية مكشوفة، سيما الجمعيات النسائية التي راكمت تجربة نوعية في الاشتغال على متطلبات العدالة الجنائية للنساء، ورصدت مكامن الخلل بقانون المسطرة الجنائية المطبق حاليا اعتمادا على دراسات، وعلى دراسة لمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية ما قبل الأخير، والتي اعتبرها السيد وزير العدل السابق صيغة أخيرة، ودققت في أوجه عرقلة القانون لولوج النساء إلى آليات العدالة الجنائية ولسبل الانتصاف المناهضة للتمييز بسبب الجنس، وحللت تجاهل مستلزمات العدالة الجنائية للنساء والولوج إلى آلياتها خلال مراحل تقديم الشكاية و البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي والمحاكمة وتنفيذ الأحكام… فإن نفس الإقصاء السياسي شمل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، والذي صدر بتاريخ 24 يوليوز 2024 ونشر بالجريدة الرسمية عدد 7328 بتاريخ 22 غشت 2024، مع ما طبعه من تهميش صارخ لمقاربة النوع، سواء فيما جاء به من عقوبات بديلة تشمل جنح العنف والتمييز ضد النساء، أو طريقة تنفيذها…
وإذا كان قانون المسطرة الجنائية يعتبر “دستورا للمحاكمة الجنائية”، ويشكل “محطة نوعية واستثنائية في مسار تحديث منظومة جنائية” كما عبر عن ذلك وزير العدل أثناء تقديمه لمشروع قانون المسطرة الجنائية بمجلس النواب، فإن تعديل 421 مادة بهذا المشروع، مع استحضار بعض الإيجابيات طبعا، لم يعكس أهميته التي عبر عنها السيد الوزير، والكفيلة بحماية حقوق المتقاضين في إطار دولة القانون القائمة على نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا ويفي بالتزاماته، بل قام المشروع بتعزيز آليات البعد الأمني بمبرر مكافحة الجريمة، وقيد دور المجتمع المدني بما فيه الجمعيات النسائية بخلفية سياسية، بالمادتين 3 و7، ضدا على أدواره المنصوص عليها بالدستور، ووسع اختصاصات النيابة العامة في مقابل تقليص أدوار الدفاع، وأساسا حضوره للبحث التمهيدي، وأرسى أسس اللاتوازن بين سلطة الاتهام والطرف المتهم ودفاعه، ونزل عن سقف المبادئ التي جاء بها الدستور بخصوص حقوق المتقاضين و متطلبات المحاكمة العادلة وشروط مناهضة التمييز والعنف بسبب الجنس وحماية النساء الضحايا.
ويعتبر تحالف ربيع الكرامة أن الفرصة مازالت مواتية لتجويد مشروع قانون المسطرة الجنائية أمام مجلس المستشارين، وجعلمناقشته فعلا محطة نوعية واستثنائية في مسار التشريع من أجل عدالة جنائية لا تقصي النساء، وتضمن لهن الولوج السهل إلى آلياتها، وتحقق لهن شروط المحاكمة العادلة، ضحايا كن أو في نزاع مع القانون. ومن شأن قيام مجلس المستشارين بدوره الدستوري المستحضر لالتزامات المغرب الدستورية والدولية أن يخلق الحدث البرلماني التشريعي بإعادة عرض مشروع القانون 23-03 المتعلق بتعديل وتتميم قانون المسطرة الجنائية على مجلس النواب وفقا لما تنص عليه قوانين البرلمان.
وإذ يؤكد “تحالف ربيع الكرامة” أن لا إصلاح شامل لقانون المسطرة الجنائية دون أن يأخذ بعين الاعتبار بعض المطالب المهيكلة لحق النساء في العدالة الجنائية:
- اعتماد مقاربة النوع بطريقة عرضانية تضمن وضع مقتضيات قانونية تراعي خصوصيات النساء وتنص على إجراءات خاصة بتقديم الشكايات، وعلى مسطرة ملائمة للبحث التمهيدي في جرائم العنف والتمييز للحد من الإفلات من العقاب، وعلى بطلان الإجراءات التي تتم خلافا للقانون، وعلى مسطرة بحث واعية باحتياجات النساء الموقوفات، وعلى مسطرة تستجيبلمستلزمات العدالة الجنائية للنساء، وعلى محاكمة ضامنة لشروط عدالتها، وعلى تنفيذ العقوبات بما يحفظ كرامة النساء ويؤمن حقوقهن؛
- الإلغاء اللامشروط لجميع القيود التي فرضتها المادة 7 من المشروع على دور الجمعيات بصفة عامة والجمعيات النسائية بصفة خاصة، والتي تشكل في حد ذاتها تراجعا عما جاء به الدستور وقانون المسطرة الجنائية الجاري به العمل حاليا، والتراجع عما جاءت به المادة 3 بالمشروع، والتي منعت المجتمع المدني، في نفس سياق التضييق، من اللجوء إلى القضاء لمحاربة الفساد وحماية المال العام؛
- تقوية حقوق الدفاع بما يحقق التوازن بين الدفاع وسلطة الاتهام، والنص الصريح بمشروع قانون المسطرة الجنائية على حضور الدفاع إلى جانب المشتبه فيه أمام الشرطة القضائية منذ اللحظة الأولى لإلقاء القبض عليه، وإشعار الموقوف بحقه في الاتصال بدفاعه، والحضور إلى جانب الضحية أثناء تقديم شكايتها والاستماع إليها، مع إلغاء كل مقتضى من شأنه أن يسمح للنيابة العامة أو الشرطة القضائية بتأجيل حضور الدفاع إلى جانب موكله أو موكلته؛
- إعادة النظر في المقتضيات المتعلقة بالإثبات ووسائله وسلطة تقديره، وذلك ب:
ü الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الإثبات وصعوبته في جرائم العنف ضد النساء، مما يقتضي استنفاذ كافة إجراءات البحث والتحقيق للكشف عن حقيقة العنف ومرتكبه (الانتقال، التفتيش، الحجز، الاستماع إلى الشهود والمبلغين، الخبرة، التقاط الصور وأخذ العينات والبصمات، الطب الشرعي…)؛
ü التعامل بمرونة مع عبء الإثبات، خاصة في جرائم الاعتداءات الجنسية ضد النساء، والتي غالبا ما ترتكب في ظروف مطبوعة بالسرية، مما يصعب معه إثبات الجريمة، وبالتالي الإفلات من العقاب وحرمان الضحية من العدالة الجنائية؛
ü تقييد سلطة المحكمة في تقدير وسائل الإثبات، وترجيح بعضها على بعض ضمانا لتفريد أمثل للعقاب وتحقيقا للعدالة؛
ü وضع ضوابط دقيقة لتفعيل إجراءات تحقيق الدعوى العمومية (الخبرة، الشهود، البحث التكميلي، المعاينات، الانتدابات…) من عدمه؛
- النص على إجراء البحث التمهيدي في ظروف زمان ومكان ضامنة لكرامة النساء وخصوصياتهن واحتياجاتهن، ومن قبل مختصات ومختصين في قضايا العنف والتمييز ضد النساء؛
- توسيع الحق في المساعدة القضائية للنساء المشتبه فيهن ليشمل المحاكمات في الجنح، وإقرار حق النساء الضحايا في المساعدة القضائية بقوة القانون.
تحالف ربيع الكرامة
23 ماي 2025