في الوقت الذي ترفع الحكومة شعار رقمنة الإدارة، وجه المجلس الأعلى للحسابات انتقادات إلى طريقة تدبير هذا الملف، خاصة من طرف الوزارة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، في ظل وجود تباين في وضع استراتيجيات رقمية قطاعية بسبب غياب استراتيجية وطنية للتنمية الرقمية.
وسجل التقرير السنوي الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات برسم 2022-2023، وهو يتحدث عن التنمية الرقمية بالمغرب، وجود ما أسماه “أمية رقمية” تصل إلى 56 بالمائة بناء على دراسة للوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، مؤكدا أن ذلك يسهم في فجوة رقمية وصعوبات في تحقيق إدماج رقمي.
وبناء على تقرير المجلس، فإن التنمية الرقمية تواجه تحديات تتمثل في عدم توفر جزء من الساكنة على المعدات المعلوماتية الضرورية للولوج إلى العالم الرقمي، حيث إن حوالي 17 بالمائة من المواطنين لا يتوفرون على هاتف من الجيل الجديد، إلى جانب عدم المساواة في الولوج إلى الشبكة بسبب غيابها أو انخفاض صبيبها أو ارتفاع كلفتها، دون إغفال ضعف التكوين في المجال الرقمي للمستعملين.
ودعا المجلس في هذا السياق إلى تجاوز الفجوة الرقمية “بتمكين مختلف شرائح المجتمع من الولوج للعالم الرقمي، من خلال توفير التجهيزات اللازمة والربط بالشبكة والتكوين، وإيجاد الوسائل الكفيلة بمساعدة المواطنين للولوج للخدمات العمومية مع ضمان حماية حقوقهم ومعطياتهم الشخصية وحمايتهم من مخاطر الأنترنت”.
واسترسل المجلس في توجيه انتقاداته إلى الوزارة المذكورة، حيث أورد أنه خلال بلورة الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة تبين من خلال النتائج المحققة أنه “لم يتم إلى حد الآن استكمال كل من المخطط التوجيهي للتحول الرقمي ومنصة التشغيل البيني المشتركة بين الإدارات “Gateway gouvernementale” ونظام المعلومات المتعلق بالموارد البشرية”.
وسجل التقرير نفسه تأخرا في اعتماد بعض النصوص القانونية وإحداث بعض الهيئات، مما يحول دون تطور ورش التنمية الرقمية بشكل متناسق، مشيرا إلى أنه “لا تزال مجموعة من المجالات غير مؤطرة قانونيا ومن بينها، على سبيل المثال، الأرشيف الإلكتروني ومسك السجلات الإلكترونية وموثوقية نسخ المستندات الرقمية والعملات المشفرة والمنصات الرقمية والذكاء الاصطناعي وغيرها”.
وأردف أنه “لم تتم بعد المصادقة على مشروع القانون رقم 41.19 المتعلق بالإدارة الرقمية، والذي تم إعداده منذ سنة 2019 بهدف معالجة قضايا أساسية وذات طابع أفقي في مجال تطوير الخدمات الرقمية في المرفق العمومي”، مشيرا إلى أن هذا التأخر المسجل في اعتماد مشروع القانون المذكور أثر سلبا على تقدم مشاريع التحول الرقمي في الإدارات العمومية، بالنظر إلى الجوانب المهمة التي يعالجها.
ودعا المجلس الوزارة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة إلى اعتماد استراتيجية وطنية مندمجة للتنمية الرقمية تأخذ بعين الاعتبار حاجيات القطاعين العام والخاص والمجتمع، بالتشاور مع مختلف الفاعلين، وتكون أساس تطوير استراتيجيات قطاعية وترابية، مع تحديد أهداف واضحة وتوفير الوسائل اللازمة لتمويل المشاريع والآليات الكفيلة بضمان تنفيذها فيما يتعلق بالحكامة والتتبع والتقييم.
كما شدد على ضرورة تسريع تنفيذ ورش تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية لكونه مدخل مهم لرقمنة الخدمات العمومية، عبر وضع استراتيجية وطنية يتم بموجبها اعتماد الوسائل والآليات الكفيلة بضمان تنفيذه وتتبعه وتقييمه، والمصادقة على النصوص التطبيقية للقانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، وتجاوز الصعوبات المتعلقة بتفعيل بوابة “إدارتي” كواجهة موحدة ومتكاملة ومندمجة للحصول على المعلومات والولوج إلى الخدمات الإدارية العمومية.
إلى ذلك، اعتبر المجلس الأعلى للحسابات أن مخطط المغرب الرقمي 2020، الذي أعدته الوزارة المكلفة بالصناعة والتجارة كإطار استراتيجي وطني للتنمية الرقمية، “لم يتم تفعيله بسبب عدم تبنيه من طرف مختلف الأطراف المعنية، من القطاع العمومي والقطاع الخاص، والتي لم يتم إشراكها بشكل كاف في إعداده”.
وأشار التقرير إلى أنه “نتج عن هذا الوضع غياب رؤية مشتركة وضعف على مستوى التنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال التنمية الرقمية في المغرب، مما انعكس سلبا على تطور هذا المجال، لاسيما في القطاع العام، حيث سجل تباين في تبني استراتيجيات رقمية فعلية على مستوى القطاعات الوزارية”.
المصدر : هيسبريس