يعتبر التطوع والتضامن سلوكا إنسانيا شهدته المجتمعات والحضارات المختلفة منذ القدم، فقد ساهما في تخفيف المشاكل التي يواجهها الأفراد والجماعات، والتي تشمل الكوارث المرتبطة بالمناخ، والنزاعات، والأوبئة، والفقر،… والعمل التطوعي والتضامني هو فعل المساهمة في العمل الحر لتقديم خدمة للفرد والمجتمع، أو دعم منظمة غير ربحية، ويقوم على مبدأ التبرع بالوقت والجهد والمال من أجل القضايا الإنسانية دون توخي المكافأة المادية والمالية، ويساهم تقديم المساعدة للإنسان ودعم الأعمال الخيرية، النابع من إرادة الفرد نفسه وإدراكه لدوره في المجتمع، في تعزيز التماسك الاجتماعي بين المواطنين وتقوية الروابط والعلاقات بين أفراد المجتمع واستدامتها.
يأخذ العمل التطوعي والتضامني أشكالا متعددة بدءا من الأعراف التقليدية (الوقف، التويزة …) إلى التجاوب الاجتماعي في أوقات الشدة، ومجهودات الإغاثة إلى حل النزاعات وتخفيف آثار الفقر، فزيادة الاحتياجات الاجتماعية على المستوى الدولي والوطني جعل الحاجة إلى وجود منظمات تطوعية وجمعيات خيرية فاعلة لتقف جنبا إلى جنب مع الجهات الحكومية لتلبية الحاجيات الراهنة والمستجدة، أصبح معها التطوع ظاهرة عالمية. في هذا السياق تقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في خطة عمل 2030 بالدور الحيوي الذي يلعبه المتطوعون في جميع أنحاء العالم، من خلال عدد من القرارات (قرار “إدماج العمل التطوعي في العقد القادم A/RES/67/138 من برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين؛ قرار(A/RES/70/129) ” بشأن إدماج العمل التطوعي في السلام والتنمية: خطة عمل العقد القادم وما بعده” ؛ شجع قرار (2030 (A/RES/73/140 “العمل التطوعي لخدمة خطة التنمية المستدامة لعام 2030 ” الدول الأعضاء على تعزيز التعاون مع الأطراف المعنية لجمع البيانات حول نطاق التطوع وإسهامه وتأثيره في تحقيق أهداف التنمية المستدامة”) ، التي تهدف إلى مساعدة الأطراف المعنية في تعزيز الإقرار بدور العمل التطوعي والتضامني وإدماجه في أهداف التنمية المستدامة، كما تسعى خطة العمل المذكورة إلى إدماج العمل التطوعي والتضامني وتعميمه في الاستراتيجيات والسياسات الوطنية، وقياس تأثير التطوع بشكل أفضل، وذلك بجهود المتطوعين والحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص والأمم المتحدة.
تطور العمل التطوعي والتضامني نتيجة الأحداث والتغيّرات التي عرفتها المجتمعات عبر العالم، فتعددت أشكال وأنواع العمل التطوعي بحسب المجتمع وظروفه واحتياجاته، وبقدر ما تزداد الحاجة إلى هذا السلوك الإنساني النبيل، بقدر ما يواجه تحديات تتطلب التنظيم والتقنين على المستوى الدولي والوطني. وقد ظهرت الحاجة إلى ترسيخ ثقافة التطوع والتضامن خلال الأحداث التي عرفها العالم عموما (كورونا سنة 2020) والمغرب خصوصا (زلزال الحوز سنة 2023)، حيث برزت بشكل عفوي أصالة ثقافة التطوع لدى كافة مكونات الشعب المغربي، والذي أكده جلالة الملك محمد السادس في خطابه
بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة في أكتوبر 2018، حينما دعا إلى تشجيع مساطر التطوع حيث قال: ” وإننا حريصون على تعزيز هذه الروابط، التي تجمع المغاربة على الدوام، … أو عبر تسهيل وتشجيع المساهمات التضامنية على مختلف المستويات. ولهذه الغاية، ندعو لتبسيط المساطر لتشجيع مختلف أشكال التبرع والتطوع والأعمال الخيرية”.
وفقا لدستور المملكة المغربية 2011، يعتبر العمل التطوعي والتضامني حاليًا كمصدر للرأسمالية الاجتماعية، وتتويجا للتراكم الذي سجله العمل الاجتماعي في المملكة المغربية. فهو يساعد على تعزيز الثقة والتضامن بين أفراد المجتمع، والمساهمة في تحقيق أهداف تنمية بشرية متكاملة ومستدامة.
تنفيذا لمضامين الخطاب الملكي المشار إليه أعلاه، صدر القانون 18.06 بتاريخ 05 غشت 2021 المتعلق بتنظيم العمل التطوعي التعاقدي، والذي تحدده المادة الثانية منه كما يلي: ” يراد بالعمل التطوعي التعاقدي كل نشاط يقوم به شخص ذاتي أو أكثر، خارج أسرته أو دراسته أو وظيفته أو شغله، بشكل طوعي ودون أجر، بموجب عقد مكتوب بينه وبين الجهة المنظمة للعمل التطوعي التعاقدي، بهدف تحقيق منفعة عامة.” ويعتمد الإطار التعاقدي الجديد بين الدولة والجمعيات المتخصصة في مجال العمل التطوعي، أساسًا على آليات شفافة تسمح للجمعيات بتنفيذ خطط عملهم بشكل أفضل.