المغرب يكرّس العقوبات البديلة كتحول نوعي في منظومة العدالة الجنائية

في خطوة وُصفت بالتاريخية، شهد المغرب خلال الفترة ما بين 2021 و2025 نقلة نوعية في منظومته العقابية عبر إقرار قانون العقوبات البديلة رقم 43.22، وذلك في سياق إصلاحات شاملة تهدف إلى تحديث النظام القضائي وتخفيف الاعتماد على العقوبات السالبة للحرية. هذا التحول جاء تتويجًا لعقود من الترافع المدني، الذي قادته منظمات المجتمع المدني المغربية من أجل عدالة أكثر إنسانية وفعالية.

وقد أعدّ هذا التقرير التحليلي مكتب الدراسات المغربي “طالم” (TALM)  (باللغة الإنجليزية) أعده الخبير أحمد جزولي، وذلك في إطار مواكبة السياسات العمومية الوطنية وتقاسم هذه التجربة المغربية مع المنظومة العالمية للعدالة وحقوق الإنسان. ويسعى التقرير إلى توثيق هذا المسار الإصلاحي وتسليط الضوء على كيف أن تجاوب الحكومة المغربية مع مطالب المجتمع المدني قد جعل صوت هذا الأخير مسموعًا، ومؤثرًا، ومُقدَّرًا في دوائر صنع القرار. والنتيجة كانت مكسبًا مشتركًا ليس فقط للمجتمع المدني، بل لكل مكونات المجتمع.

وأكد التقرير أن القانون 43.22 يهدف إلى تقليص اللجوء إلى السجن في حالات الجرائم البسيطة، عبر إقرار عقوبات بديلة تتنوع بين العمل لفائدة المجتمع، والمراقبة الإلكترونية، والعدالة التصالحية، والمراقبة القضائية. ويشدد القانون على ضرورة التناسب بين الجريمة والعقوبة، وعلى احترام كرامة المحكوم عليه وحقوقه الأساسية، كما يُلزم المؤسسات القضائية بإجراء تقييم فردي دقيق قبل إصدار أي حكم بديل.

يرصد التقرير تفاعلاً واسعًا بين الحكومة، والجهاز القضائي، ومنظمات المجتمع المدني، وجامعات حيث أُقيمت ندوات وطنية كبرى لتدارس الإشكاليات المرتبطة بتنفيذ العقوبات البديلة، كما تم إشراك خبراء دوليين لتقاسم التجارب المقارنة الناجحة، خصوصًا من دول أوروبية. هذه الدينامية مكنت من صياغة قانون يُعد من أكثر النصوص انسجامًا مع المعايير الدولية.

الملحق الخاص بالتقرير تحت عنوان “إعادة تصور العدالة: نقاش عمومي حول تجريم بعض الأفعال وإعادة تعريف العقوبة” يسلط الضوء على النقاش الدائر حول ضرورة إعادة تصنيف بعض الأفعال لتخرج من دائرة التجريم، خصوصًا تلك التي تُعد بسيطة أو بلا ضحايا. ويطرح الملحق إمكانية استبدال العقوبات الحبسية بغرامات أو خدمات اجتماعية، مع التأكيد على أن العدالة الحديثة يجب أن تبني على مبادئ إصلاح الفرد والتأهيل بدلًا من العقوبات الكلاسيكية فقط.

يشير التقرير إلى جملة من التحديات التي قد تواجه تنفيذ القانون، منها الحاجة إلى موارد بشرية ومادية إضافية، ومقاومة ثقافية من بعض الفاعلين التقليديين في قطاع القضاء. لكنه يبرز أيضًا فرصًا كبيرة لتقليص الاكتظاظ في السجون، وخفض نسب العود، وتحقيق عدالة أكثر فعالية واقتصادًا.

يمثل اعتماد العقوبات البديلة في المغرب تحولًا جوهريًا يعكس تطورًا في الرؤية الرسمية للعدالة، ويضع المغرب في مصاف الدول التي اختارت العدالة التصالحية كخيار استراتيجي. وبحسب التقرير، فإن النجاح في إقرار هذا القانون هو ثمرة لتقاطع الإرادة السياسية مع قوة الترافع المدني، وهو ما يجعل منه تجربة ملهمة يمكن أن تسهم في إغناء الحوار العالمي حول العدالة الجنائية وحقوق الإنسان.