تشكل أشغال لجنة النموذج التنموي إرهاصا كبيرا لتعقد المشاكل الإجتماعية، رغم السعي الحثيث للمغرب لتحسين مؤشراته الماكرو اقتصادية بواسطة السياسات العمومية للحكومات المتعاقبة. فبلوغ الأهداف الإقتصادية الكبرى قاصر بدون تحسين الوضعية الإجتماعية للمواطنين.
كما أن حلول جائحة كوفيد بالمغرب أحدث وقعا إجتماعيا عميقا عزز ضرورة إقتران مفهومي التنمية الإقتصادية و الإجتماعية في مفهوم واحد يخدم تقدم البلاد.
من ناحية أخرى، تداخل البعدين الإجتماعي و الإقتصادي للتنمية يسمح ببروز تعاضد برامج السياسات العمومية و ترشيد إستغلال الموارد و الطاقات بشكل أفضل. فديناميكية التفاعل بينهما تسائل فاعلية و نجاعة السياسات العمومية للحكومات المغربية.
الدراسات السوسيولوجية، خاصة تلك التي قام بها كوتييه بيروت، نبهت إلى مشكل النظر إلى التنمية كآلية اقتصادية صرفة، ذلك أن التنمية ترتبط بنيويا ووظيفيا بالتحول الاجتماعي العام وتتأثر به سلبا أو إيجابا، رغم أن التحول هو الآخر يتم خلطه مرارا بمفهوم التنمية. وتماشيا مع هذا الطرح، فقد أولى الملك محمد السادس أهمية كبرى للقضايا المفصلية التي تحتاج إلى تعديل المسار نحو تحول إيجابي، كما هو الحال بالنسبة لموضوع الشباب، أطفال الشوارع، الفئات الهشة، التعليم والتكوين، وكلها قضايا تصب في النهوض بوضعية الفرد كرأسمال بشري يعد نقطة ارتكاز التنمية. و لا شك أن إعداد السجل الاجتماعي هو مشروع واعد سيمكن من توفير قاعدة معطيات جد دقيقة من أجل توجيه السياسات العمومية.
يحضرنا في هذا الباب مثال على مستوى كبير من التدخل، ألا وهو إجتماعات اللجنة المركزية للإستثمارات، فلم لا يتدارس أصحاب القرار و الفاعلون في التنمية الاجتماعية في المغرب إستخلاص مشاريع و برامج للتنمية الاجتماعية كمخرجات إجتماعية بارزة لهذه الإجتماعات، حيث تحدث أثرا سوسيو-إقتصاديا فعالا و عظيما؟
كما يبرز مثال آخر، فيمكن تركيب برامج دعم مبادرات الشباب في تركيب مشاريع الاقتصاد الأخضر بتنسيق مع برامج ومشاريع صناعية كبرى في إطار تنمية الطاقات المتجددة، وذلك بدعم من مؤسسات كبرى كالمكتب الشريف للفوسفاط والمكتب الوطني للسكك الحديدية. فعلى سبيل الذكر، ذكر المكتب الأخير، أنه يعمل على تفعيل انتقاله الأخضر بصفة تدريجية، إذ يقوم بتعويض 25 في المائة من إجمالي استهلاكه الطاقي بالطاقات البديلة، لترتفع النسبة إلى 50 في المائة سنة 2023، قبل أن يشمل هذا التحول، على المدى المتوسط، مجموع حاجياته.
وبالإضافة إلى ذلك، يمثل برنامج “أوراش” خير مثال على التنمية السوسيو اقتصادية المندمجة. بيد أنه يلزم إحترام أهدافه الكبرى المتوخاة، والأخذ في عين الإعتبار المؤشرات الجهوية ومن ضمنها مؤشري البطالة والفقر على سبيل الذكر. فعلى سبيل المثال، اختيرت مدينة الفنيدق من أجل المرحلة الأولى نظرا للأولوية القصوى لتشغيل عدد كبير من النساء والرجال الذين فقدوا موارد عيشهم جراء إغلاق منافذ التهريب، وتجدر المقارنة العلمية كذلك مع مدن أخرى تعاني هي الأخرى من إرتفاع مؤشري البطالة و الفقر.
يتراءى لنا، إذن، التفاعل الإيجابي والإنتاج المتبادل ما بين التنمية الإقتصادية ونظيرتها الإجتماعية في الأمثلة المذكورة، وكذا الآثار الإقتصادية و الإجتماعية الجمة التي تترتب عن هذا التفاعل. و في نظري المتواضع أقترح إنشاء مصفوفة مؤشرات رئيسية قد يلبي متطلبات الرؤية الإستراتيجية للتنمية السوسيو اقتصادية المندمجة.
أسامة بوصوف
إطار بوكالة التنمية الاجتماعية